إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الأول
40587 مشاهدة
16- إثبات صفات العفو والمغفرة والرحمة لله تعالى

[وقوله: إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا [النساء: 149]. وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور: 22].


الشرح
* قوله: (وقوله: إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ ).
هذه الآيات فيها إثبات عدد من الصفات، مثل صفة العفو والغفران والرحمة وقد وردت بلفظ الفعل، ووردت بلفظ الاسم، وصفة الاسم.
* الآية الأولى: وهي قوله: إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا .
فالعفو اسم من أسماء الله، وهو من أحب أسمائه إليه، ويحب أن يدعى به، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو به بقوله: اللهم إنك عفو، تحب العفو فاعف عني .
والعفو: هو الصفح والتجاوز عن الأخطاء، والعفو من الله هو أن يصفح عن عباده ويمحو عنهم أخطاءهم وزلاتهم ويعافيهم، ومنه قول بعضهم:
رب اعـف عنه وعافه فلأنت أولى من عفا

بمعنى تجاوز واصفح، وهذا من صفات الله الفعلية يفعلها متى يشاء، وليس عفوه كعفو المخلوق الناقص، فإن عفو المخلوق مثلا قد يكون بإزالة ما في قلبه من الحقد، فيقول مثلا: عفوت عن خطئك، وإساءتك تجاهي، وذهب ما في قلبي عليك من البغض، وأما عفو الله، فهو كما يشاء الله، وكما يليق به، ليس فيه مجاوزة لحد أو تشبه بمخلوق.
* الآية الثانية: قوله تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ نزلت في أبي بكر لما قطع النفقة عن مسطح بن أثاثة وكان ممن دخل في قول أهل الإفك الذين رموا عائشة بالإفك، وكان أبو بكر ينفق عليه لكونه قريبا له، فلما قال هذه المقالة، ورمى عائشة بما رماها به، أراد أبو بكر أن يقطع النفقة عنه، فعاتبه الله تعالى: وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ ثم قال: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا يعني: ليعفوا عما صدر من أولئك ويصفحوا عما كان منهم، فكما أنهم يحبون أن يعفو الله عنهم فليعفوا عمن أساء إليهم وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
فأمر عبده أن يعفو ويصفح، فوصف نفسه بأنه غفور رحيم، وصفتا المغفرة والرحمة من الصفات الفعلية، فالله يغفر ويرحم ويعفو كما يشاء ولمن يشاء.